Hot Posts

6/recent/ticker-posts

كيفاش تولي لباس عليك







مشكلات الرأسمالية
تفيد المقالة التحليلية، التي تحمل عنوان "المداخل الخمسة لإصلاح السياسات الرأسمالية في العالم"، بأن الرأسمالية كانت سببًا من أسباب رخاء البشرية في العقود الأخيرة، فهي لم تساهم في تخريب العالم بشكل كلي، لكنها نجحت في إخراج ما يزيد على مليار فرد حول العالم من تحت خط الفقر. كما أنها أنتجت التكنولوجيا التي ساهمت في تسهيل حياة البشر. ولكن المؤلفة ترى أنها-على جانب آخر-ساهمت في تخريب الكوكب، نتيجة للسياسات التي تراعي تحقيق المكاسب المادية على حساب البشر والبيئة.
لذلك، ترى "هندرسون" أن هناك ثلاث مشكلات رئيسية ناتجة عن الرأسمالية تواجه العالم حاليًّا. تتمثل المشكلة الأولى في التغيرات المناخية، التي تسببت في آثار سلبية كثيرة، من بينها زيادة حرائق الغابات في أستراليا وكاليفورنيا. وتوضح المؤلفة أن التغيرات المناخية نتجت من عوامل متعددة، من بينها استخدام الوقود الأحفوري نتيجة لرخصه، وزيادة حجم الاستثمارات التي لا تراعي البيئة.
بينما تتمثل المشكلة الثانية للرأسمالية في اتساع حدة اللا مساواة بالثروات، فنحو 50 شخصًا يمتلكون أكثر مما يملكه 4 مليارات شخص على مستوى العالم. وتساهم أنظمة الحكم الأوليجاركية الشعبوية السلطوية في تعزيز سلطة ومنفعة مالكي الثروات على حساب تعزيز قيم المواطنة التي تحقق المساواة لبقية شعوب العالم.
وتؤشّر المشكلة الثالثة إلى تراجع دور الحكومة بالتزامن مع تطبيق اقتصاديات السوق الحر، وهو ما يتسبب في تخلي الشركات عن مسؤوليتها في تحقيق الصالح العام، واتجاه مديريها التنفيذيين لإيجاد وسائل للتهرب من الضرائب، والمراوغة من القوانين المفروضة، بصورة تسحب الشرعية السياسية من الحكومة نتيجة لفقدان ثقة المواطنين في قدرتها على حماية حقوقهم.
كيفية إصلاح الرأسمالية
ترى "هندرسون" أن الرأسمالية لا يجب أن يقتصر غرضها على كسب المال، وتعظيم أرباح المالكين للمؤسسات، بل لا بد أن تعمل كمحرك لتحقيق العدالة الاجتماعية، والحفاظ على البيئة، وتعزيز ديمقراطية المؤسسات بكافة الدول.
من هنا، تنطلق "هندرسون" من رؤية مفادها أن الشركات التي يحركها هدف فردي يركز على تعظيم الأرباح على المدى الطويل، تكون مدفوعة كليًّا بالنظام الرأسمالي. ولذلك، فإنها ترى أن الشركات بحاجة لتبني هدف أوسع من هدفها الفردي يعالج مشكلات البيئة والمجتمع.
وتضيف أن تلك الشركات بحاجة لخلق فرص عمل جديدة تتناسب مع احتياجات المجتمع، وتحقق رفاهية الأفراد. ولتحقيق ما سبق، تبنت مجموعة من الشركات فكرة إنشاء قيمة مشتركة من خلال اتّباع استراتيجيات تنافسية تعتمد على التأثير الاجتماعي على المدى الطويل.
علاوةً على ما سبق، توضح "هندرسون" أن اتخاذ السياسات المتعلقة بالشركات يجب أن يكون مدفوعًا بالتساؤل حول "قدرة تلك السياسة على حفظ المؤسسات التي جعلتنا أغنياء وأحرارًا، وليس حول قدرة السياسة على تحقيق المنفعة الفردية". وهنا لا بد أن يظهر دور التعاونيات، والنقابات التي تدعم الحقوق وتساهم في بلورة القرارات.
وتدعم "هندرسون" تأسيس الشركات التي لا يكون هدفها زيادة قيمة أسهم المستثمرين، بقدر ما تهدف إلى تقديم خدمة ما على المدى الطويل، وخلق قيمة لها. وتعزز تلك الشركات من مكانتها عبر زيادة رأس المال، وإجراء تغييرات بالقادة بصورة مستمرة، فتكون هناك مرونة عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالشركة.
الابتكار المتزايد
تُشير المؤلفة إلى أن الشركات ترفض فكرة التغيير الجذري، على الرغم من قدرته على إصلاح الشركة وتعويض خسائرها. وتضرب "هندرسون" المثال على ذلك بشركتي "كوداك" (Kodak) التي اخترعت التصوير الرقمي، و"نوكيا" (NOKIA) التي باعت ملايين الهواتف المحمولة على مستوى العالم، إلا أن كلا الشركتين لم تستطيعا مواجهة التطورات العالمية نتيجة تمسكهما بنهجهما التقليدي، فأشهرت الأولى إفلاسها، ولم تستطع الثانية الصمود أمام مبيعات شركة "Apple".
ولتفسير ذلك، تُميز "هندرسون" بين "الابتكار المتزايد" (innovation) و"الابتكار المعماري" (Architectural innovation)، فالأول يمكن تحقيقه في الشركات بسهولة، عبر زيادة جودة الخدمات أو رفع قدرات المنتجات، بينما الثاني يتطلب إعادة هيكلة كلية للمنتجات أو للشركات بحيث تتلاءم مع مستجدات العصر.
وبالتطبيق على شركة كوداك، تشير "هندرسون" إلى أنها طبقت "الابتكار المتزايد"، حيث عملت على تطوير قدرات الكاميرات، ولكنها لم تستطع أن تتماشى مع فكرة اختراع هاتف محمول يحتوي على كاميرا، ويحل محل كاميرات التصوير. وفي ضوء الضغوطات اليومية التي تعرضت لها نتيجة تراجع مبيعاتها، كان من الصعب تطبيق "الابتكار المعماري" وإعادة تخيل هيكلي للشركة ومنتجاتها، فكان مصيرها الإفلاس.
تشير "هندرسون" إلى أن تطبيق "الابتكار المعماري"، الذي هو أشبه بتغيير الأنظمة الاجتماعية، هو السبيل لإعادة رسم الرأسمالية، وإصلاح مشكلات العالم. وتضرب المثال على ذلك بعدد من الشركات العالمية التي أعادت هندسة خطوط إنتاجها لتتلاءم مع متطلبات البيئة والمجتمع. فعلى سبيل المثال، انتقلت شركة "Walmart" إلى استخدام الطاقة المتجددة ومبادرة "صفر نفايات". وقد تم ذلك بخطوات سريعة عبر تحديد المخاطر المتعلقة بالاستمرار في نهج الإنتاج التقليدي، فاستطاعت الشركات تحقيق أرباح مالية سريعة وضخمة.
نحو رأسمالية مستدامة
تُجادل "هندرسون"، وفق مضامين المقالة، بقدرة العالم على تحقيق رأسمالية عادلة ومستدامة من خلال خمس خطوات، هي على النحو التالي:
1. توجُّه الشركات إلى تبنّي قيم مشتركة تستطيع خدمة المجتمع، وتعظم أرباحها في الوقت ذاته. ويتم ذلك عبر إعادة التفكير في استراتيجيات الشركات التقليدية، وابتكار استراتيجيات تحقق نتائج اجتماعية بيئية إيجابية.
2. التوسّع في تبني نهج شركات "الطريق السريع"، التي تتوسع في منح المزايا والمرتبات، وتعلي من اهتمامها بموظفيها وتوفر لهم الاستقلالية والثقة، فتحقق معدلات ربح أعلى من شركات "الطريق المنخفض"، التي تمنح مرتبات أقل للموظفين وتتعامل معهم على أنهم تروس في آلة لا يمكن الاهتمام بمشاعرهم أو احتياجاتهم.
وبتطبيق أول خطوتين، تخرج الشركات من نهجها التقليدي، وتعظم أرباحها، مجنبة نفسها سيناريو إفلاس الشركات العالمية الكبرى كشركة كوداك.
3. التركيز على أنظمة التمويل المالية التي تراعي المقاييس البيئية والاجتماعية وتحقق أرباحًا مستدامة، إضافة إلى إدارة الشركات بصورة أكثر عزلة عن المستثمرين لتجنب الضغط الذي يدفع إلى اتخاذ قرارات تراعي الأرباح على حساب البيئة والأفراد.
وعلى الرغم من أن تلك الخطوة قد تبدو مستحيلة، إلا أن "هندرسون" تشرح إمكانية تحقيقها بين عشية وضحاها. فالقوة الاستثمارية العالمية مركَّزة في يد مجموعة قليلة من سكان العالم، فنحو 15 فردًا يديرون نصف ثروة العالم، وهو ما يعكس إمكانية تغيير المسار العالمي للاستثمار بسهولة.
4. دعم التعاون بين الشركات، حيث لا يمكن أن تعمل بشكل منفرد لمواجهة تحديات العالم، وهنا يتعاظم دور اتحادات الصناعة لإيجاد الحلول. وتضرب "هندرسون" المثال بشركة "Unilever" التي وحدت جهود شركات السلع الاستهلاكية الخاصة بإنتاج زيوت النخيل لمكافحة عملية تجريف الغابات.
وتؤكد "هندرسون" أن التنظيم الذاتي والتعاون بين الشركات لا يتم بصورة تلقائية، فهو يظهر عندما تكون الفوائد واضحة للجميع، وعند معاقبة المخطئين، كما أنها بحاجة لالتزام المشاركين بها على المدى الطويل.
5. تعظيم دور الحكومات الشاملة الديمقراطية، التي تعطي الأولوية لرفاهية المواطنين على حساب تحقيق مصالح النخبة. وتضرب "هندرسون" المثال بحكومات الدنمارك وألمانيا، التي استطاعت تحقيق مستوى عالٍ من الرفاهية لمواطنيها. وتشير المؤلفة إلى أن ذلك بحاجة لوجود قائد يتمتع برؤية ثاقبة، يستطيع المبادرة وتولي زمام المسؤولية.
وبالنظر لبعض الحالات التطبيقية التي جاءت بالكتاب، فأحيانًا تتسبب الأزمات، كالانكماش المالي، أو المآسي الشخصية، أو الاحتجاجات الشعبية، في إحداث التغيير. وقد يستغرق التغيير مدة تتراوح ما بين خمس وعشر سنوات.

Enregistrer un commentaire

0 Commentaires